قال: [وأما من حرف كلام الله] أي: أوله، وسبق أن ذكرنا أن ما يسميه أهل البدع تأويلاً؛ هو في حقيقته تحريف، وإلا فكيف يقول تعالى: ((
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5] وهم يقولون: استولى؟! هذا صريح التحريف للكلم عن مواضعه!! فعبر رحمه الله عن فعلهم بالتحريف وإن سموه تأويلاً، ولذا فنحن نقول: نؤمن بصفات الله تعالى ونثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل.
فإن قيل: أين التأويل؟ ولماذا لم يذكر؟ قلنا بأن التأويل هو التحريف.
أمَّا كلمة التأويل -التي جاءت في القرآن وفي لغة العرب- فلها عدة معانٍ؛ منها: التفسير، ومنها: ما تئول إليه حقيقة الشيء.
قال رحمه الله: [وأما من حرف كلام الله، وجعل العرش عبارة عن الملك، كيف يصنع -وكان ينبغي أن يقول: فكيف يصنع؛ لأن الفاء هنا واجبة- بقوله تعالى : ((
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ))[الحاقة:17]؟ وقوله: ((
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ))[هود:47]؟ أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية؟] أي: إذا كان العرش هو الملك كما يقولون، فالسماوات والأرض والمخلوقات والمحشر، وكل ما في المحشر خلق الله، وملك لله، فكيف نقول: إنه يحمل ملك الله ثمانية؟!!
قال: [وكان ملكه على الماء؟!] أي: إذا كان معنى العرش: الملك فهل يصح أن نقول: معنى قوله تعالى: ((
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ))[هود:47] هو: وكان ملكه على الماء؟! فالماء من ملكه، فهذا دليل على أن التأويل الذي يذكره أهل البدع لا يمكن أن يتفق مع النصوص، ولا مع العقل، ولا مع اللغة أيضاً.
قال رحمه الله: [ويكون موسى عليه السلام آخذاً بقائمة من قوائم الملك؟! هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول؟!] قال النبي صلى الله عليه وسلم: {
فأكون أنا أول من يفيق، فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش} فإذا لم يكن العرش حقيقياً، فكيف يقول عاقل: إن موسى آخذ بقائمة من قوائم الملك؟! فملك الله لا يوصف بأن له قوائم، فالعقل السليم والنظر السليم في لغة العرب، والفهم السليم لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ينفي ذلك، ولا يثبته، ثم يقول رحمه الله: [هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول؟!] لا. أبداً؛ لا يقوله عاقل.